المقالات

الاحتفال بعيد الحب 

الاحتفال بعيد الحب

حلمي القصاص

 

يحتفل المصريون مع شعوب العالم بعيد الحب. وبينما يقدم بعض المصريين الزهور و”الدباديب” الحمراء المصنوعة في الصين لمحبوباتهم، قدم أجدادهم قبل آلأاف السنين العطور الطبيعية وزهور اللوتس لمعشوقاتهم .

كان الحب شعوراً مقدساً عند قدماء المصريين، وله آلهة ومعابد يذهبون إليها للتعبد وكذلك للقاء من يحبونهم، وتسجل البرديات وجدران المعابد قصصا وأشعاراً مدهشة تكشف أن الحب سيطر على قلوب ملوك وملكات الفراعنة، وجعلهم يكسرون الصورة النمطية للحكام الأشداء، ويظهرون مشاعرهم الإنسانية للعلن دون خجل من طبيعتهم البشرية.

 

كما تكشف تلك الآثار أن المواطنين البسطاء استمتعوا بتلك المشاعر الفطرية علناً، ودون الشعور بالخوف من المجتمع، ولم ير ذلك المجتمع الذي شهد بزوغ “فجر الضمير” في الحب سلوكاً مخالفا للأخلاق، بل كان بالنسبة إليه شعوراً لا يقتصر على البشر فحسب، ولكنه يتملك الآلهة ويسيطر على قلوبها، وفقا للمعتقدات المصرية القديمة.

.

، الذين أطلقوا على بلدهم في الدولة القديمة، اسم (تامري) أي أرض الحب”.

الشعور بالانتماء إلى الوطن، والقلب العامر بالإيمان من جهة، والحب من جهة أخرى، أن الانتماء والإيمان “يدفعان الإنسان إلى الإحساس بالجمال، والفن، ومن ثم تذوق الحب، وهذا ما تجلى في حياة المصري القديم، ورأيناه في الآثار والمعابد التي شيدتها تلك الحضارة العظيمة”.

“هذا أيضاً بدا جلياً في الآلهة التي عبدها قدماء المصريين، ومنها إلهة الحب (حتحور)، واسمها يعني (بيت حورس)، وكان المصري يعتبر أن المرأة هي البيت، وهي من يظلل على الزوج والأسرة ويحتضنهما. وحين تخيل المصريون إلهاً للسماء، تخيلوه في صورة امرأة، وهي المعبودة (نوت)، التي صورت على هيئة سيدة تبسط ذراعيها، وتسكن بينهما النجوم”.

 

من هذا التصور الراقي للمرأة، “بدأت قصص الحب تسجل، وظهرت أشعار كثيرة، ونحن لدينا على سبيل المثال بردية (شستر بيتي) موجودة في لندن، فيها 7 قصائد حب، منها 4 يوجهها رجل لحبيبته، و3 توجهها سيدة لحبيبها، ويبدو جلياً الفارق بين تعبيري الرجل والمرأة عن الحب”.

“الرجل يميل للتغزل بجمال المرأة، ويصف روعة شعرها وخصرها ومفاتنها” يقول شاكر، “لكن حين تتحدث المرأة فهي تركز على العاطفة، وهذا يوضح لنا أن من ألف تلك القصائد يعلم جيدا الفارق بين طبيعة مشاعر النساء والرجال”.

 

وعن أشهر قصص الحب في عهد قدماء المصريين، يقول كبير الأثريين: “لقد ظهر لنا العديد من قصص الحب الرائعة، ومن أشهرها قصة الملك خفرع ابن خوفو، ويقال إنه حين كان يسير مع زوجته، كان يمسك بيدها، ويتحدث معها بالشعر”.

قصة نفرتيتي واخناتون، “تخيل حين يقول رجل لزوجته أنه يريد أن يغير دينه، وينقل عاصمة بلده إلى تل العمارنة، ورغم كل ذلك تظل داعمة له على مدار عشرين عاماً، وكانت تظهر في الصورة معه وهي تعبد (أتون) الإله الواحد، وكانا يظهران معا وبناتهما الست يلعبن حولهما، وهناك صورة شهيرة في متحف في هولندا، وهي تجلس على رجله ويقبلها، إنه مشهد التقطه الفنان الذي كان يعيش معهما في القصر، وقرر تسجيلها، ولم يعترض الملك على ظهوره بهذا الشكل أمام الناس، فهو لا يرى في الحب عيباً”.

 

ومن تلك القصص، “قصة القزم (سنب)، الذي يعد من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يتمسك بحبه لأكبر وصيفة في القصر الملكي، وكانت لها جذور في العائلة الملكية، والدولة والمجتمع لم يمنعاه من أن يتزوج بها، ويصبح المسؤول عن خزائن الملابس الملكية. ونرى الرقي كذلك في الفنان الرائع الذي نحت تمثالا له هو وزوجته، وحتى لا يظهره قصير القامة بجوار زوجته نحت تمثاله على هيئة مربع، وجعل كرسيه مرتفعا، وجعل طفليهما يخفيان الكرسي،

 

الحب والآلهة

لم يتوقف تصور قدماء المصريين للحب على أنه شعور بشري فحسب، ولكنهم كانوا يتصورن أن الآلهة تحب وتضحي مثلهم، ومن أشهر الحكايات قصة إيزيس وأوزوريس، وهي أسطورة شهيرة، تتحدث عن إخلاص إيزيس التي لم تعتبر الموت نهاية لحب زوجها أوزوريس، ذلك الملك العادل الذي قتله أخوه الحاقد ست إله الشر.

 

 

وتقول الأسطورة إن إيزيس ظلت تبحث عن جثة زوجها كي تعيده للحياة لفترة وجيزة، لتحمل منه بابنها حورس.

وتعد الإلهة حتحور من أهم الآلهة عند قدماء المصريين، فهي إلهة الحب والموسيقي، وقد عبدت على مر عصور عدة، ويقارنها البعض بالإلهة أفروديت عند اليونانيين.

ويشير متخصصون في علم المصريات إلى أن كلمة حب (مر) كان يرمز لها بالفأس، فالمصريون كانوا يعتقدون أن الحب يشق القلب مثلما يشق الفأس الأرض فيجعلها مثمرة ومصدرا للخير والعطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى