Uncategorized

الميتافيرس نافذة ابداعية جديدة يقودها العقل البشرى

الميتافيرس نافذة ابداعية جديدة يقودها العقل البشرى

كتبت د. نجوان حسنى

أصبحت التكنولوجيا المتسارعة وقود يقود العالم نحو آفاق جديدة مما جعل العقل البشرى قادرا على كسر حاجز الخيال العلمى الذى لطالما شاهدناه كخيال فى العديد من أفلام الخيال العلمى ، بات العالم وشيكا أكثر من أى وقت مضى من الانتقال إلى مرحلة الحياة الافتراضية الكاملة؛ تلك الحياة التى أطلق عليها مارك زوكربرج، المؤسس والرئيس التنفيذى لموقع فيس بوك، «الميتافيرس» أو «العالم الماورائى». فبدلا من أن تكون التفاعلات البشرية واقعية ومحسوسة عبر التلاقى المادى أو تكون غير مادية وغير محسوسة عبر التلاقى الرقمى من خلال شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، سوف يكون هناك طريق ثالث يسد الفجوة بين هذين العالمين (الواقعى والرقمى)، ليظهر عالم ثالث افتراضى يأخذ من الواقع شيئا، ومن الإنترنت والتقنيات الذكية أشياء وخصائص أخرى.يعد أول من استخدم مصطلح «الميتافيرس» Metaverse هو «نيل ستيفنسون» فى رواية الخيال العلمى «Snow Crash» عام 1992. وتتكون الكلمة من مقطعين؛ الأول Meta وهو الاسم الجديد الذى تغيرت إليه فيس بوك، ويعنى «ما وراء»، والمقطع الثانى Verse الذى يأتى اختصارا لكلمة Universe بمعنى «العالم»، والكلمتان معا تأتيان بمعنى «العالم الماورائى». وقد قصد به «نيل ستيفنسون» فى روايته تلك، العالم الافتراضى المملوك من قِبل الشركات، حيث يتم التعامل مع المُستخدمين النهائيين كمواطنين يعيشون فى «ديكتاتورية الشركات».
ويسعى مارك زوكربرج من خلال «الميتافيرس» إلى إنشاء عالم افتراضى، يسد الفجوة بين العالمين الواقعى والرقمى، لينشأ بذلك عالم ثالث افتراضى، يستطيع فيه الأفراد إنشاء حياة افتراضية لهم عبر مساحات مختلفة من الإنترنت، بحيث تسمح لهم بالتلاقى والعمل والتعليم والترفيه بداخله، مع توفير تجربة تسمح لهم ليس فقط بالمشاهدة عن بعد عبر الأجهزة الذكية كما يحدث حاليا، ولكن بالدخول إلى هذا العالم فى شكل ثلاثى الأبعاد عبر تقنيات الواقع الافتراضى.فمن خلال استخدام نظارات الواقع الافتراضى والواقع المُعزز وارتداء السترات والقفازات المُزودة بأجهزة استشعار، يستطيع المُستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية، تعمل فيها هذه التقنيات الذكية كوسيط بين المستخدمين فى عالم «الميتافيرس»، لإيصال الشعور بالإحساس المادى، فيستطيع أن يرى المستخدم الأشياء من حوله بصورة ثلاثية الأبعاد عبر النظارة، كما يمكن أن يشعر فيها بالمؤثرات الجسدية الحسية، كإحساس السقوط فى المياه أو اللكمة فى الوجه أو غيرها، من خلال المستشعرات الموجودة فى السترات والقفزات التى يرتديها، فيحصل على تجربة أشبه بالواقعية حتى وإن كانت غير مباشرة.
استخدامات لا متناهية
يعتبر «الميتافيرس» عالما اختياريا، يُبنى وفق رغبات مستخدميه، فيستطيع الأفراد إنشاء عالمهم الخاص بهم، وقد قسمها زوكربرج حتى الآن إلى 3 عوالم أو آفاق Horizons كما أطلق عليها، وهى «آفاق المنزل أوHorizons Home»، و«آفاق العمل «Horizon Workrooms، و«آفاق العالم Horizons World».
وداخل «آفاق المنزل»، يستطيع المستخدم إنشاء نسخة افتراضية تطابق منزله الأصلى، ويستطيع التجول فيها بمجرد ارتداء نظارة الواقع الافتراضى، ومن ثم يستطيع أن يدعو زملاءه عبر «الميتافيرس» إلى قضاء وقت معا داخل المنزل، أو مشاهدة مباراة كرم قدم، أو حتى استذكار الدروس والمراجعة.
وبالمثل يستطيع الزملاء فى العمل إنشاء فضائهم الخاص بهم داخل «الميتافيرس»، فيمكنهم الذهاب إلى العمل فقط من خلال ارتداء نظارة الواقع الافتراضى، وإنجاز المهام المطلوبة والمشاركة فى الاجتماعات بل وأخذ راحة منتصف اليوم مع أصدقاء العمل، كل ذلك من دون حتى مغادرة المنزل.
كما يستطيع المُستخدمون إنشاء عوالم أخرى خاصة بهم، مثل حضور الحفلات الموسيقية، أو مشاهدة أحد الأفلام السينمائية، أو ممارسة الرياضة المفضلة، وذلك من دون مغادرة المنزل؛ فتوفر لهم تجربة فريدة يشاركون فيها بعضهم لحظات جماعية دون اعتراف بحدود مكانية أو جغرافية.
ليس هذا فحسب، بل يمكن التسوق أيضا داخل «الميتافيرس»، واختيار السلع الغذائية من داخل السوبر ماركت ودفع ثمنها عبر بطاقة الائتمان فى تجربة ثلاثية الأبعاد، وكأن المستخدم داخل أحد المتاجر بالفعل، كما يمكن قياس الملابس والتأكد من ملاءمتها للمُستخدم، عبر تصميم «أفاتار» بنفس مقاييس المُستخدم ومحاكاة تجربة ارتداء الملابس عليه.
وتتعدى تجربة عالم «الميتافيرس» فى التعليم لتكون أكثر ثراء، فتوفر مثلا للطلاب المعنيين بدراسة الفضاء أو المحيطات أو الجيولوجيا أو التاريخ، فرصة لمحاكاة هذه العوالم فى صورة ثلاثية الأبعاد، وبالتالى يمكنهم الذهاب إلى القمر أو أحد الكواكب الشمسية أو حتى الشمس نفسها، وأيضا يمكنهم الذهاب إلى أعماق المحيطات أو باطن الأرض، أو حتى العودة إلى أحد الأزمنة التاريخية ومحاكاة طرق العيش فيها. ومع دخول نظم الذكاء الاصطناعى فى برمجة شخصيات هذه العوامل، يمكن للمستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية بالفعل.
مستقبل العمران البشرى
عديدة هى استخدامات «الميتافيرس»، وقد يكون مفيدا فى بعض جوانبه الترفيهية والتعليمية، مثل ألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام أو الاستمتاع بقضاء وقت فراغ، بخلاف أهميته فى عملية التعليم سواء داخل المؤسسات التعليمية أو عن بُعد. فهو ضرورى فى كلتا الحالتين، لكن يبقى التخوف من اتساع نماذج استخدام «الميتافيرس» ليطغى على جميع جوانب الحياة الإنسانية.
فإذا كان بإمكان المُستخدم إنشاء عالمه الخاص داخل «الميتافيرس»، وهو عالم خال من المشكلات أو الهموم، وعالم يحقق فيه
طموحاته الشخصية، ويبنى فيه منزله ومدينته المثالية، ويتعرف فيه على أصدقاء مشابهين له، ويستبعد منه من لا يروق له؛ فهو بذلك يبتعد كل البعد عن عمران الأرض وبناء الحياة الإنسانية.
فقد تتحول حياة المستخدم الحقيقية شيئا فشيئا إلى كابوس من دون أن يدرى، فلا يهتم بشكل منزله الحقيقى، ولا بشكل مدينته الحقيقة، ولا يسعى إلى تعمير الأرض التى يسكن فيها، ويكتفى ببناء جنة خيالية فى عالم افتراضى، يعيش فيها طيلة اليوم ولا يتركها إلا عند النوم، فلا هو يعيش حياته الحقيقية ليلا ولا نهارا، ولا يعلم شيئا عن واقعه؛ فكل ما يهم حينها هو العالم الافتراضى الذى بناه وحقق فيه أحلامه التى اكتفى ببنائها فى عالم «الميتافيرس».
وقد يروق هذا الوضع للبعض، الذين اصطدموا بمشاكل الحياة، واكتأبوا منها، وقرروا الانتحار، فيكون عالم «الميتافيرس» ملجأ لهم من الواقع وبديلا جيدا للانتحار. لكن كيف سيكتمل العمران البشرى حينما يغيب الناس عن مواجهة حقيقتهم ومصيرهم، وأن يسعوا بجد إلى تغيير وضعهم إلى الأفضل دائما، وألا يستسلموا بالذهاب إلى عام افتراضى يسهل تحقيق الإنجاز فيه. فمن سيقوم بمهمة تربية الأجيال القادمة حينما ينشغل الجيل الحالى عن حقيقته بالواقع الافتراضى، وكيف يتحقق العمران الذى يتطلب التدافع البشرى وتعمير الأرض، وليس تعمير مساحات افتراضية غير واقعية؟
وفى النهاية، يبقى القول إن شركة فيس بوك قد حاولت سابقا طرح مفاهيم وتقنيات جديدة، مثل عملة «ليبرا»، ومشروعات الذكاء الاصطناعى التى لم تر النور، والتى فشل بعضها وتم إغلاقه بالفعل، ويعتبر مشروع «الميتافيرس» أحد المشروعات الواعدة أيضا؛ لكنها ما زالت قيد الاختبار مثل غيرها من المشروعات التى لم تتحقق. وحتى وإن اكتمل مشروع «الميتافيرس» خلال 5 سنوات من الآن كما تسعى فيس بوك، فإن هذا التطور سوف تقابله مقاومة من التيار الإنسانى التقليدى، الذى يرفض هذه السرعة المبالغ فيها فى التطور، ويثمن الحياة التقليدية فى كثير من جوانبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى