عذاب الحب

عذاب الحب
خلود ايمن
كم تمنيت أنْ نحلِّق سوياً خارج إطار الزمن ، نرفرف بآمالنا كى نَصِلُ لعنان السماء ، نعانق بعضنا حد الالتصاق ، ألا يفرقنا شيء ، أنْ يجمعنا القَدر سوياً وأنْ يمر بنا العمر دون أنْ يزهد أحدُنا في الاخر ، أنْ تمتزج أرواحنا ، نهيم بخيالنا الشطط الذي يأخذنا لعالم أشبه بعالم سرمدي بعيد عن واقع البشر وتخيُّلاتهم ، أنْ تتشابك أيدينا ولا يُفلِتها أمر ما ، أنْ تتشابه أحلامنا ونحاول الوصول لطموحاتنا معاً ، أنْ يظل أمل اللقاء هو أعظم أمل لدينا ، أنْ تظل لهفة الحب متأججةً بقلوبنا دافعة لنا كي تستمر الحياة بنفس الهدوء والراحة والوَهج ، أنْ يجلب اقترابنا السكينة والطمأنينة في أرواحنا بحيث يكون دافعاً لنا لاجتياز مراحل العمر الصعبة دون أنْ نعاني مَرار الوحدة ، أنْ تسكن البهجة صدورنا ، أنْ يتوقف ضجيج قلوبنا ، أنْ يهدأ كل منا في رِحاب الآخر ، يحتضنه ، يحتويه ، يتفهَّمه ، يُقلِّص شتاته ، يقضي على جميع مخاوفه ، يُزيد من شعوره بالقبول ، يُبدِّد مشاعره المتضاربة التي تراوده وتفتك به من حين لآخر ، فذاك هو أسمى شعور قد يرغبه امرؤ ويحاول نيله من الطرف الآخر ، فإنْ لم يحظَ به يظل معتبراً أن تلك العلاقة لا تمنحه ما يُريد بالفعل أو تلبي له احتياجاته أو تُشبِع رغباته الضئيلة التي تُحقِّق له حياةً هادئةً كسائر الخَلْق ، فلم تُخلَق تلك العلاقة عَبثاً وإنما يكون الغرض منها عظيماً حينما يُحقِّقه البشر بالفعل دون هرب أو مراوغة أو خداع سواء لأنفسهم أو للطرف المُقابِل ، فهو لم يطلب سوى حقَّه المشروع الذي هيَّأه الله له فوضع قبوله في قلب الطرف الآخر من أجل الحصول على تلك المودة والرحمة والسعادة التابعة لهما ، فإنْ لم يشعر بتحقُّق هذا الغرض فعليه أنْ ينسحب ويرحل على الفور قبل أنْ يغوص في علاقة تُودي به لمسار غير مرغوب أو يتعلَّق قلبه بالعدم ويجد نفسه وحيداً في مهب الريح تقذف به كيفما شاءت أينما شاءت دون أي تحكُّم أو دراية أو إرادة منه ، مجرَّداً من كل عناصر الأمان التي وضعها على كاهل شخص غير أهل لها أو متأهب لمنحه إياها ، فلم يكن هذا الطريق الذي يَوِد أنْ يصل إليه في نهاية المطاف بعدما جاش بعواطفه لمَنْ أخلص في حبه ومنحه كل الود من أعماق قلبه دون أي شُحٍ أو تقتير ، فلم يُقصِّر أو يبخل عليه بأي شيء ولو بمجرد كلمة وما كان منه سوى أنْ تركه ورحل وجعل التساؤلات والندم يأكلان قلبه بلا توقف أو رحمة أو هوادة وهذا هو عذاب الحب الذي لن يتذوقه سوى مَنْ يَمُر بتجربته الأليمة بالفِعل ، فليست كل التجارب ناجحة ولكن أغلبها دروس نتعلمها من أجل عيش حياة أفضل وانتقاء خيارات أنسب في المستقبل ، فلا علينا أنْ نجعل الندم يعترينا حتى لا يُعمينا عن رؤية الخير القادم في التجارب التالية ، فالحب موجودٌ في كل بقاع الأرض وما زالت هناك بعض القلوب الصادقة الوَفِية المُخلِصة ولو كانت نادرةً بعض الشيء فلن نفقد الأمل فلقد كان وما زال النبراس الذي يُضيء حياتنا ولن نُطفِئه أبداً أو نتخلى عنه مهما حدث …
#خلود_أيمن #مقالات.