Uncategorized

الحب في الله…

كتبت: دعاء موسى 

احبك في الله ما أجملها من كلمة وما اعظمها.
ما معني الحب في الله؟ وكيف يكون؟ وعندما أقول لأحد: إني أحبك في الله. فماذا يكون أساس تعاملي معه، وكيف يكون التعامل؟ ما علامات حب الله لي؟
الحب من أسمى وأرقى العواطف الإنسانية، فإذا توجهت هذه العاطفة النبيلة لله تعالى، وكانت هي محور العلاقات بين المسلمين، ذللت كثيرًا من الصعاب، وأثمرت كثيرًا من الثمار الطيبة في حياة الأمة، ولقد جاءت أدلة عديدة تؤكد هذا المعنى الكريم، وتبين المكانة الرفيعة لمن أنعم الله به عليه، منها: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عبًاد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى». قالوا: يا رسول اللهِ، تخبرنا من هم، قال:«هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس». وقرأ هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. (رواه أبو داود). وقال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللَّهَ يقولُ يومَ القيامةِ: أينَ المُتحابُّونَ بجلالي؟ اليومَ أظلُّهم في ظلِّي، يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلِّي» (رواه مسلم). وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: «ورجلان تحابّا في اللهِ ، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه» (أخرجه البخاري؛ برقم، ومسلم). والأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا، بل هي مستمرة في الآخرة، يقول تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. إن التحابب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله. وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان. فبالقيام بحقوقها يُتقرَّب إلى الله زلفى، وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا. ومن هذه الحقوق:
أولًا: الحب والمناصرة والتأييد والمؤازرة ومحبة الخير لهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه» (متفق عليه: البخاري؛ ومسلم).
ثانيًا: التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبيين الطريق له، وإعانته على الخير ودفعه إليه، يقول تعالى: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]، ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة من الآية:71].
ثالثًا: القيام بالأمور التي تدعو إلى التوادد وزيادة الصلة، وأداء الحقوق، قال عليه الصلاة والسلام: «حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ». قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه. وإذا دعاك فأَجِبْه. وإذا استنصحَك فانصحْ له. وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ. وإذا مرِضَ فعُدْهُ. وإذا مات فاتَّبِعْهُ» (رواه مسلم).
رابعًا: من حقوق المسلم على المسلم: لين الجانب، وصفاء السريرة، وطلاقة الوجه، والتبسط في الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ» (رواه مسلم). واحرص على نبذ الفرقة والاختلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا، لم يبق بين المسلمين عصمةٌ ولا أخوة”.
خامسًا: من حقوق المسلم على المسلم: دلالته على الخير، وإعانته على الطاعة، وتحذيره من المعاصي والمنكرات، وردعه عن الظلم والعدوان، قال صلى الله عليه وسلم: «ليَنصُر الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَو مَظلُومًا. إِن كَانَ ظَالِمًا فَليَنهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصرٌ، وَإِن كَانَ مَظلُومًا فَليَنصُرهُ» (رواه مسلم).
سادسًا: وتكتمل المحبة بين المؤمنين في صورة عجيبة ومحبة صادقة عندما يكونان متباعدين، وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات، قال صلى الله عليه وسلم: «دعوةُ المسلمِ لأخيه بظهرِ الغيبِ مُستجابةٌ. عند رأسِه ملَكٌ مُوكَّلٌ، كلما دعا لأخيه بخيرٍ قال الملَكُ الموكلُ به: آمين. ولكَ بمِثل» (رواه مسلم).
سابعًا: تلمس المعاذير لأخيك المسلم، والذب عن عرضه في المجالس، وعدم غيبته أو الاستهزاء به، وحفظ سره، والنصيحة له إذا استنصح لك، وعدم ترويعه وإيذائه بأي نوع من أنواع الأذى، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يُروِّعَ مُسلِمًا» (رواه أحمد، وأبو داو).
ثامنًا: تقديم الهدية والحرص على أن تكون مفيدة ونافعة، مثل إهداء الكتاب الإسلامي، أو الشريط النافع، أو مسواك أو غيره، وقد “كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْبَلُ الهديَّةَ ويُثِيبُ عليها” (رواه البخاري).
أما عن كيفية تعاملك مع من تحب في الله تعالى فهو كالتالي:
1- من واجبات الأخوة الإسلامية إعانة الأخ المسلم ومساعدته وقضاء حاجاته، وتفريج كربته، وإدخال السرور على نفسه، قال عليه الصلاة والسلام: «أحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للنَّاسِ، وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ تُدخِلُه على مُسلِمٍ أو تكشِفُ عنه كُربةً أو تقضي عنه دَيْنًا أو تطرُدُ عنه جوعًا، ولَأَنْ أمشيَ مع أخٍ لي في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أعتكِفَ في هذا المسجِدِ يعني مسجِدَ المدينةِ شهرًا» (رواه الطبراني في المعجم الكبير).
2- احرص على تفقد الأحباب والإخوان والسؤال عنهم وزيارتهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنَّ رجلًا زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ على مَدرجَتِهِ ملَكًا، فلمَّا أتى عليهِ قالَ: أينَ تريدُ؟ قالَ: أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ. قالَ: هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحببتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ. قالَ: فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَهُ فيهِ» (رواه مسلم). وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا» (رواه الترمذي؛ ، وابن ماجه). أما عن علامات محبة الله للعبد فهي كثيرة لخصها الشيخ محمد بن صالح المنجد كما يلي:
1- اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى في كتابه الكريم: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31].
2- الذلة للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه. وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}[المائدة من الآية:54].
3- القيام بالنوافل: قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه» (أخرجه البخاري)، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام.
4- الحبّ، والتزاور، والتباذل، والتناصح في الله. وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: «حقَّت محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمُتزاوِرين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمُتباذلين فيَّ، وحقَّت محبَّتي للمُتواصلين فيَّ» (رواه أحمد، و”التناصح” عند ابن حبان، وصحح الحديثين الشيخ الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب)
5- الابتلاء، فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب -ولله المثل الأعلى- ففي الحديث الصحيح: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ » (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الشيخ الألباني). وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى