المقالات

رمضانُ لا ترحل .

رمضانُ لا ترحل .
بقلم : أمجد المصرى

سريعًا رحل عنا ضيفُنا الكريم تاركًا خلفه ذكريات ونسمات طيبةٌ حتي تمنينا أن لم يرحل أبدأ وحتي تسائلت القلوب الطيبة : ماذا لو كان العام كلهُ رمضان؟

ودائمًا ، ومهما كانت الحالة المزاجية لهذا الشعب الصابر ، يأتي رمضان فيضع الناس همومهم وأوجاعهم جانبًا ، ويستقبلون هذا الضيف بصدورٍ منشرحه ، وقلوب مليئة بالأمل والتفاؤل ، فى رمضان يزداد الخير والبذل والعطاء فلا تجد جائع أو محروم ، فالتنافس على أشده دون إنتظار للقطة أو إشاده ، فالجزاء مضمون اذا ما حسنت النوايا دائمًا .

فى رمضان يتزاور الناس ويصلون الأرحام ، فلا تغيب المودة بين الأهل والأصدقاء ، حتي وإن كانت حبال الود مقطوعة قبله ، فى رمضان تشعر بحالة روحانية طيبه تفوح من أرجاء البلاد ، وكأننا لم نكُن بالأمس القريب غارقون فى ملذات الدنيا بعيدون كثيرًا عن الحقيقة الوحيدة الباقية فى هذا الحياة وهى اننا ما خُلقنا إلا ضيوفًا عابرين ننشد السلامة والرضا من ربٌ عفو كريم .

فى رمضان الذى ليته يدوم طوال العام ترى الناس كبار وصغار يتسابقون نحو دور العبادة قيامًا لله ، وكأنما لم تُخلق المساجد إلا لرمضان ، فلا غائب ولا متكاسل إلا من حلت عليه الغفلة وطال به الغياب ، الناس فى رمضان يتعرفون من جديد على بعضهم البعض فى المساجد ، سكان البناية الواحدة الذين لا يعرفون جيرانهم إلا فى لقاءات عابرة داخل المصاعد أصبحوا يصطفون كل يوم عدة مرات بجانب بعضهم فى المسجد المجاور أو ربما الموجود أسفل بنايتهم ذاتها ، الأباء يصطحبون الأبناء والنساء لينهل الجميع من تلك الجرعة الإيمانية الرائعة كل يوم وكل ليله .

ماهذا السحر الدفين فى ذلك الشهر الذى هو خير الشهور ، والذى فيه ليلة خيرٌ من الف شهر ؟ يدخل الناس شهرهم الكريم محملين بهموم الدنيا ومصاعبها فيخرجون منه بحال أفضل ولو نفسيًا ، فيأتيهم العيد ليفرحوا ويواصلون مسيرتهم نحو رمضان جديد ينشدونه من العامِ إلى العام ويبقى السؤال الذى لا مفر منه : لماذا لا نستمر هكذا بعد رمضان ؟ لماذا لا يدوم الخير والعطاء والبذل الوفير طوال العام ، لماذا تنقطع الأرحام وتعود بيوتنا للتشتت بعد رمضان وقد كنا نجتمع كل ليلة على مائدة واحدة للافطار .. هل هو صعب أن نستمر هكذا ونُبقى رمضان فى بيوتنا حاضرًا طوال العام ؟

كل رمضان وأنتم بخير ، وليتقبل الله من أمة محمد كلها صيامهم وصلاتهم وقيامهم ، وما قدموه للآخرين من مودة ورحمة وتكافل ، ولعلنا نطيل التدبر فى أثر هذا الشهر على نفوسنا وعلي سلوكيات الكبار والصغار فنظل متمسكين ببعض هذه الروح الطيبة التى كانت سائدة طوال الشهر ، ففي ذلك النجاه ، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون .. رمضان لا نقول وداعًا ، ولكن نقول إلي لقاء آخر إن كنا من المحظوظين . اللهُمَّ بلغنا رمضان .. كل عام وأنتم بخير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى