المقالات

الالتزام بالأكواد الإعلامية مسؤولية وطنية ومهنية

الالتزام بالأكواد الإعلامية مسؤولية وطنية ومهنية

بقلم: أيمن عدلي

في لحظة تاريخية دقيقة تمر بها منطقتنا العربية، تبرز الحاجة إلى إعلام مسؤول أكثر من أي وقت مضى..فالأزمات المتلاحقة التي يشهدها الشرق الأوسط- من صراعات مسلحة، وانقسامات سياسية، وتحديات اقتصادية واجتماعية عميقة- جعلت من الإعلام أحد أبرز الفاعلين في صياغة مشهد متوتر، إما أن يسير نحو التهدئة، أو أن ينفجر بفعل خطاب متهور، غير منضبط، غير مسؤول.

في ظل هذا الواقع الملتهب، لم يعد مقبولًا أن يُمارس الإعلام دون ضوابط..ولم يعد ممكنًا التساهل مع أي خروج على الأكواد الإعلامية المعتمدة، تلك التي تشكّل العمود الفقري لأخلاقيات المهنة، وتحمي المجتمع من الوقوع في شرك التضليل، أو التحريض، أو الفتن. الإعلام، في جوهره، ليس ساحة للمكايدة أو الاستعراض، بل هو صوت الحقيقة، ولسان المواطن، وعين المجتمع.

الأكواد الإعلامية التي وضعتها نقابة الإعلاميين لم تكتب لمجرد التنظيم الإداري، بل جاءت نتاجًا لتجربة طويلة وفهم عميق لما تعنيه الكلمة عندما تُقال على الهواء، أو تُنشر على موقع، أو تُبث عبر منصّة.. الكلمة قد تبني وقد تهدم..وقد رأينا، في غير بلد عربي، كيف يمكن لعبارة خاطئة، أو عنوان ملفق، أو معلومة مغلوطة، أن تُشعل فتنة أو تُعطّل سلامًا هشًا.

ولذلك، نؤكد اليوم وبلا مواربة، أن الالتزام بالأكواد الإعلامية ليس ترفًا مهنيًا، بل ضرورة وطنية تمليها المرحلة، ومسؤولية أخلاقية يتحملها كل من يعمل في هذا المجال، أكان مذيعًا أو محررًا أو منتجًا أو مدير محتوى.. فالإعلام اليوم يتعامل مع مجتمع مرهق، يعاني من ضغوطات اقتصادية وأزمات وجودية.. هذا المجتمع لا يحتمل الأكاذيب، ولا يستطيع أن يدفع ثمن الأخطاء الإعلامية المتكررة..كل زلة بث أو سقطة مهنية قد يكون لها ثمن باهظ على الاستقرار العام.

لقد رصدنا في نقابة الإعلاميين، خلال الأشهر الماضية، تجاوزات متكررة لبعض المنابر الإعلامية، تجاوزات تمس جوهر الأكواد المهنية، وتضعف ثقة الجمهور بالمؤسسة الإعلامية ككل..وللأسف، فإن غياب الرقابة الذاتية، والميل إلى اللهاث وراء نسب المشاهدة والتفاعل، يدفع البعض إلى تقديم محتوى مثير، لكنه ملوّث وغير موثوق. هذا النوع من الإعلام لا يخدم إلا أجندات الفوضى، ويُفقد الناس إحساسهم بالأمان المعلوماتي.

ومن هنا، فإن نقابة الإعلاميين تجدد دعوتها إلى كل العاملين في المجال الإعلامي، أن يعوا حجم مسؤوليتهم، وأن يتعاملوا مع الكود الإعلامي على أنه عقد شرف، لا مجرد لائحة تنظيمية..كما ندعو المؤسسات إلى مراجعة سياساتها التحريرية، وتفعيل آليات الرقابة الداخلية، وتدريب كوادرها على المعايير المهنية الحديثة، خاصة في ما يخص التغطية وقت الأزمات أو الأحداث الكبرى.

إن الإعلام المهني ليس فقط من يملك معدات حديثة واستوديوهات براقة، بل هو من يلتزم بالتحقق، ويوازن في التقديم، ويراعي الحساسية الاجتماعية، ويُعلي من قيمة السلام الأهلي على حساب الإثارة التجارية. الإعلام الحقيقي لا يقسم ، بل يوحد.. لا يزرع الشك، بل يُعيد الثقة.

وفي الختام، فإننا نحمل أنفسنا كنقابة، كما نحمل كل مؤسسة إعلامية وكل إعلامي، مسؤولية إعادة الاعتبار إلى مهنتنا..الإعلام القوي لا يُقاس بمدى انتشاره، بل بمدى التزامه، وصدق خطابه، وأثره الإيجابي في مجتمعه..وكل خروج عن الأكواد هو خيانة للثقة، ومشاركة – ولو غير مباشرة – في الفوضى.

إن الالتزام بالأكواد الإعلامية اليوم، هو التزام بالحقيقة، بالوطن، وبالضمير المهني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى