لا أستطيع التوقف عن التفكير.. كيف أتخلص من التفكير الزائد؟
لا أستطيع التوقف عن التفكير.. كيف أتخلص من التفكير الزائد؟
بقلم/ ياسمين إسلام
هل تشعر أحيانا بأن رأسك على وشك الانفجار من كم التفكير؟ هل شعرت من قبل بأنك تدور في حلقات مفرغة من الأفكار التي لا تفيدك في حل المشكلات بل تزيد من القلق الذي تعاني منه وتمنعك من التركيز في أي شيء آخر؟ هل أحسستَ يوما بأنك لا تستطيع النوم بسبب التفكير الزائد، أو أن جسدك جاهز للنوم ولكن عقلك لا يهدأ ولا يسمح بذلك؟
لماذا نغرق أحيانا في سيناريوهات الـ”ماذا لو؟” فتحتلّ عقولنا أفكار متكررة ولا نستطيع الفكاك منها بسهولة؟ ولماذا نأسى على ما فات بشكل مفرط، ونندم ونؤنّب أنفسنا باستمرار على مواقف حدثت في الماضي رغم أنّ تأثيرها الواقعي على حياتنا أصبح محدودا أو غير موجود أصلا؟
في هذا المقال سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بالحديث عن ظاهرة التفكير الزائد، أو ما يدعى بالإنجليزية بالـ”Overthinking” وسنحاول الاستعانة بأقرب المفاهيم والمصطلحات العلمية لهذه الظاهرة، والدراسات التي أجريت عليها.
ولأنه من السهل الشعور بأنه لا فائدة من أي شيء في مجابهة التفكير الزائد، سنستعرض أهم الخطوات التي قد تساعد على التغلب عليه والحد مما يرافقه من أعراض وأعباء نفسية سلبية، فهناك مهارات وعادات يستطيع أي شخص أن يتعلمها ويطبقها للتحرر من أسر هذه المشكلة.
من المهم التنويه بداية بأن “التفكير الزائد” ليس مرضا بحد ذاته، بل هو تجربة بشرية سنمر بها جميعا نحن البشر يوما ما على الأقل ورغم أنه أحد أكثر الشكاوى النفسية شيوعا على مستوى العالم، فإنه ليس مصطلحًا علميا، بل مفهوم عام وغامض بعض الشيء وقد يعني الكثير من الأمور، لذلك لن نجده في أي مراجع علمية متخصصة، لكنّ المصطلح العلمي الأكثر قربا من المقصد في معظم الحالات والأكثر تداولا في أبحاث علم النفس هو “الاجترار” (بالإنجليزية: Rumination).
والاجترار لغويا هو إعادة الكلام نفسه في كل مرة، واجترار الفكرة هو إجالتها في الذهن وإعادتها وإدارتها، وفي علم النفس يعرف الاجترار مع بعض الاختلافات بين المراجع المختلفة على أنه شكل من أشكال الاستجابة للضغط النفسي، ويتمثل بالتركيز بشكل متكرر وتلقائي على التفكير بأسباب وعواقب حدث أو مشكلة ما وعلى المشاعر الحاضرة والمتولّدة عن ذلك.
ويتميز الاجترار بأنه لا يقود إلى حالة من التفكير الفعال لحل مشكلة ما، بل على العكس، يظل الشخص أسيرا للمشكلات والمشاعر دون أخذ زمام المبادرة على صعيد السلوك والفعل، وغالبًا ما يكون الاجترار مرتبطا بالماضي.
وهذا أحد الأوجه التي تميزه عن القلق الذي يرتبط بالمستقبل، كما أن القلق أكثر ارتباطا بالسلوك والفعل من الاجترار، وغالبا ما يسعى القلق لتجنب شيء ما، بينما يتمثل هدف الاجترار في محاولة الفهم أو لا يكون هناك هدف معين سوى الاجترار بحد ذاته.
على أي حال، يعتبر القلق والاجترار شكلين من أشكال التفكير السلبي المتكرر، وقد يتقاطعان في بعض الأحيان.
لماذا نفكر أكثر مما ينبغي؟ ولماذا لا نستطيع التوقف عن التفكير؟*
لكن في الحقيقة، هذا تبسيط مخل للأشياء، فالتفكير الزائد والقلق والاجترار ليست ظواهر يمكن التعامل معها بهذه البساطة.
قد يدرك الإنسان أن التفكير الزائد ليس جيدا، ولكن هذا الإدراك لا يجدي نفعا بالضرورة، فالتفكير الزائد والاجترار لا يأتيان بقصد منا، بل بشكل تلقائي وكأنه عادة متأصلة فينا ويصعب الفكاك منها رغم ما تسببه من ضيق.
كما أننا لا نفكر بالأشياء بشكل مفرط لأسباب اعتباطية دائما، بل قد تكون هذه مؤشرات لوجود مشاعر دفينة تجاه قضايا أو حوادث معينة لا نستطيع تجاوزها بالطرق المعتادة، فيكون تجاهلها إهمالا لفرصة لفهم الذات بشكل أفضل.
هذا كله يساعدنا لكي نفهم الظاهرة على مستوى أعمق، ونتجاوزها في نهاية المطاف.
لا يمكن حصر العوامل التي تلعب دورا في زيادة حدوث التفكير الزائد أو الاجترار لدى الشخص، فهي كثيرة ومتنوعة، إلا أن من أهمها: الجينات، ونمط الشخصية العُصابي (أي التي تمتاز باتزان انفعالي أقل)، والتعرض للصدمات، ونمط الشخصية الكمالية (Perfectionist)، ووجود بعض الاضطرابات النفسية مثل اضطرابات القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى جنس الشخص، فقد وجد أن النساء عموما أكثر ميلا للتفكير الزائد والاجترار.
هناك ارتباط أساسي بين الاجترار والعديد من التشوهات الإدراكية وأنماط التفكير السلبية مثل: فقدان الأمل، التفكير بطريقة أبيض وأسود، جلد الذات، التشاؤم والانحياز نحو السوداوية والسلبية، غالبا ما يركز الإنسان عند ممارسته للتفكير الزائد أو الاجترار على الإخفاقات وعلى جوانب القصور ومظاهر الضعف والأخطاء والسلبيات.
ومن الجدير بالذكر أن هذه السلبيات قد لا تكون حقيقية، بل متخيلة، أو أن لها أساسا في الحقيقة لكنه يضخمها بشكل كبير (مثال: “أنا إنسان سيئ بالكامل”، أو “ليس هناك أي أمل بعد اليوم”)، وبحسب نظرية أشكال الاستجابة (Response Styles Theory)، يلعب الاجترار دورا محوريا في التسبب بالاكتئاب والضغط النفسي وفي إطالة مدته.
*ماذا أفعل كي أتخلص من التفكير الزائد أو الـ Overthinking؟*
أولا: افهم طبيعة الأفكار الاقتحامية واجترار المخاوف والتفكير الزائد.
ثانيا: حافظ على روتين يومي صحي.
ثالثا: انشغل انشغالا إيجابيا (Get Busy Living).
رابعا: مارس التأمل (وكذلك العبادات الدينية والممارسات الروحانية).
خامسا: تحدث مع من تثق بهم. سادسا: كن رؤوفا بنفسك، وتعامل مع نفسك كما لو أنك تتعامل مع صديق.