المقالات

عطايا لا تُشترى”

عطايا لا تُشترى”

بقلم /د. نجوان حسنى

ليس العطاء دائمًا ما يُقدَّم مغلفًا بورقٍ فاخر، ولا هو تلك الهدايا التي تتباهى ببريقها. فهناك عطايا أغلى، لا تُشترى بالمال، ولا تُلف بشريطٍ أنيق، لكنها تصل إلى القلب في اللحظة التي يكون فيها بأمس الحاجة إليها.

هل جربت يومًا أن تغرق في الحزن، فتأتيك كلمة واحدة كنسمة باردة في قيظ الهموم؟ ربما كانت “أنا هنا”، أو “لا تقلق، سيمرّ كل هذا”، فتمسح عن روحك ما عجزت عنه سنين من الصبر. هل شعرت يومًا بأنك منهك، فوجدت يدًا تمتد إليك، لا لتأخذ منك، بل لتمنحك؟

العطاء الحقيقي لا يُقاس بحجمه، بل بتوقيته. فهو الكتف الذي يسندك قبل أن تسقط، وهو الصوت الذي يوقظك حين تكاد تغرق في عزلتك، وهو الشعور بأن هناك من يراك، ليس حين تكون قويًا مبتسمًا، بل حين تكون ضعيفًا تبحث عن شق ضوء.

كم من مرة حصلنا على هدايا غالية لم تترك أثرًا، لأنها جاءت بعد أن زال احتياجنا إليها؟ وكم من مرة سمعنا كلمة بسيطة، لكنها غيرت يومنا، بل ربما غيرت حياتنا؟ إن ابتسامة في وجه شخص مُنهك، قد تكون بالنسبة له طوق نجاة. وإن لحظة استماع صادق إلى روح تتكسر، قد تكون أثمن من كل كنوز الأرض.

لكن كما تعطي، فأنت أيضًا تحتاج أن تأخذ. فالعلاقات لا تُبنى على طرفٍ يمنح دائمًا، وآخر يأخذ بلا نهاية. إن الاحتياج إلى الاهتمام ليس ضعفًا، بل هو أساس كل علاقةٍ حقيقية. كم من علاقاتٍ جميلة انهارت ليس لأن الحب غاب، بل لأن الاهتمام لم يعد حاضرًا؟ كم من صداقةٍ كانت صلبة كالجبل، لكنها تآكلت ببطء لأن أحدهما لم يعد يسأل عن الآخر؟ وكم من زوجين كانت بدايتهما حافلة بالشغف، لكن مع مرور الأيام، خفتت الأصوات الدافئة، وحلّ الصمت محل السؤال، فكان الانطفاء؟

الاهتمام ليس رفاهية، بل هو ما يمنح الحياة روحها، والعلاقات نبضها. فلا تبخل به على من تحب، ولا تقبل بأن تكون مجرد مانحٍ أبدي لا يجد من يمنحه. فكما يحتاج الآخرون إليك، أنت أيضًا تستحق من يسأل عنك، من يهتم لتفاصيلك الصغيرة، من يمنحك كلمةً في وقتها، فلا تأتي متأخرة، ولا تغيب كأنك لم تكن يومًا مهمًا في حياة أحد.
وكن دائمًا ذلك العطاء الذي لا يُشترى، لكنه لا يُنسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى