شعر وادب

نصف امرأة…..

سحر أبوالعلا
كان دايما بيحاول يحسسني بالنقص وكأنه كان بيستمتع بكدة.
أنا منى عندي ٤٥ سنة بكتب الكلام بعد ما قررت أتحرر من سجني اللي قضيت فيه حوالي ٢٨ سنة يعني أكثر من حكم المؤبد على مجرم يستحق العقاب، لكن أنا سجني كان من نوع اخر سجن ليس له قضبان وبابه مفتاحه بيدي ، إنه بيت الزوجية التي عشت فيه أسيرة بلا قيود .
تزوجت وعمري ١٧ عام وقد أصر والدي وقتها على عدم اكمالي لدراستي رغم تفوقي في الدراسة وحبي الشديد لها وحلمي بأن أصبح مهندسة ديكور ذات يوم لحبي من الصغر للرسم والألوان وكثيرا ما صفعني أبي بسبب رسمي على حائط بيتنا كان أبي شديد القسوة قليل الكلام كانت يده دائما تسبق لسانه وحين قرر اخراجي من المدرسة لم يقف أمامه أحد لأن أمي كانت لاحول لها ولاقوة أمام أبي وقد كان وجلست في البيت كنت انتظر الوقت الذي يخرج فيه أبي من البيت لأمارس اشيائي التي أحبها، كانت أمي تشجعني دائما ولكن كانت مثلي مغلوبة على أمرها هي الآخرى.
عشت في بيت مليء بالاستبداد حتى أنني كنت احلم كثيراً باليوم الذي استطيع فيه التحرر من هذا الاستبداد، حتى اخي لم يسلم من استبداد ابي فقد فرض عليه دراسة الميكانيكا رغم حبه الشديد للفيزياء ، وما كان له إلا أن يخضع لأمر أبي وإلا لقى ما لقى من عقاب. أنهى اخي دراسته الجامعية وجاءته منحة دراسية لألمانيا وكان بهذا قد فر من السجن الذي نعيش فيه، سافر أخي وودعنا أنا وأمي وكأنه يقول لنا أنه لن يعود .
لم يمض وقت طويل وتقدم لخطبتي أحد زملاء أبي في العمل لابنه ومن دون أن يأخذ برأيي وافق أبي مباشرة ، ولكني لا أبالي لأني كنت سعيدة لظني أنني سأتخلص من سجن أبي ، لأكون ملكة في بيتي ، لم يمض وقت طويل على الخطبة وحدد أبي مع صديقه موعدا للزفاف ، كانت تلك الفترة القصيرة غير كافية ليعرف كلانا الآخر ف محمد كان شاباً وسيم قد تخرج من كلية التربية ويعمل مدرسا للغة الإنجليزية، تزوجنا ولم يمض عاما على زواجنا وكنت أنجبت بنتى الكبرى وخلال خمسة أعوام كان عندنا ثلاثة أطفال بنت وولدان ، منذ بداية زواجي بمحمد لم يفوت فرصة بيننا أو حتى أمام عائلته أو عائلتي إلا وقام بتوبيخي على اتفه الأمور حتى ان بكت طفلتي كان ينعتني بالأم الفاشلة التي لا تقدر حتى على إسكات طفلتها ومعرفة ما تريد، وإن تلفظت بأي كلمة كان يقوم بضربي وتكرر هذا الوضع مرارا وتكرارا أمام أهله ولم يتكلم أحد منهم معه ولم يقوم أحدهم بالدفاع عني ولو لمرة واحدة، كنت دائما ما أشكو لأمي وكانت دائما ما تقول تحملي من أجل أولادك وبيتك وكنت أتعجب من نفسي فكيف أشكو لأمي وكيف انتظر منها أن تناصرني وهي التي دائما كانت تطأطىء رأسها أمام أبي لتسير المركب كما كانت تقول دائما (خلي المركب تمشي)
تزوج أخي في ألمانيا بعد إتمام دراسته من ألمانية وحصل على الجنسية الألمانية واستقر هناك وأصبح لديه طفل كان أخي الوحيد الذي يساندني ولكن ماذا سيفعل وهو البعيد كل هذا البعد ، حاول كثيرا الكلام مع زوجي دون جدوى، كان يرسل لي المال الذي يكفي لحاجتي وحاجة أولادي حتى لا أطلب من زوجي لأن أكثر خلافنا كان بسبب مصروف البيت رغم أنه كان يدرس في المدرسة ويعطي دروسا خصوصية وكان دخله كبير لكن إلى أين لا أدري كان بخيلا في كل شيء إلا في أن يوبخني في كل فرصة ، ولم يقتض الأمر عليّ فقط بل طال أولادي أيضا ، مرت سنوات وانا على اتصال دائم بأخي عبر الإنترنت كان دائما يطمئن علي وعلى اولادي ، كثيرا ما فكرت في الطلاق هل تركت سجن أبي لأسجن في سجن زوجي، لكن أبي دائما كان لديه جملة واحدة (معنديش بنات بتطلق) وطبعا أمي لاحول ولاقوة لها .
كان دائما يشعرني محمد بأني لست إلا نصف امرأة برغم انجابي ورغم كل شيء كان دائما يقارنني بزوجات إخوته رغم أنني كنت اكثرهن جمالا لكني مع الأسف وبسبب أبي كنت أقلهن علما، مرات كثيرة طلبت من محمد اني اكمل دراسة لكن كان دائم الرفض ، أولادي كبروا أصبحت ندى في الثانوية وأحمد ومحمود توأم في الإعدادية وبرغم عدم اتمامي لدراستي كنت أتابع دراستهم وكانوا دائما من المتفوقين ولم يثني محمد ولو مرة واحدة عليّ بشأن هذا، أتمت ندى دراستها الثانوية ونجحت بمجموع مرتفع ودخلت كلية الطب والتوأم أصبحوا في الثانوي هما الآخران، مضت سنوات وتخرجت ندى وتزوجت وأصبح التوأمان في كلية الهندسة، وطيلة هذه السنوات وانا أتحمل مالا يتحمله بشر، توفى والدي ، وشعرت بأن نصف قيدي قد انحل لم يبق إلا قيد محمد وقد حان الوقت لينفك هو الآخر واتحرر، ذهبت لأمي مقررة الطلاق طبعا أمي في الأول رفضت لكن أمام اصراري ومساندة اخي محمود وافقت ، تفاجيء زوجي بدعوى طلاق للضرر وبعد عام بين جلسات ومنازعات تم الطلاق، يااااااااااه أنا حرة ولأول مرة ، رجعت إلى بيت أبي ولكن هذه المرة رجعت وزمام أمري بيدي لا أحد سوف يتحكم في أمري مرة أخرى، ولكني للأسف لم اسلم من ألسنة الناس ورغم أنني كنت لا أبالي إلا أن أمي كانت دائمة اللوم عليّ ، تخرجا احمد ومحمود من الجامعة وطلبا من خالهم أن يساعدهما في السفر لألمانيا وكان بالفعل سافرا لألمانيا بمصاحبتي وكما كان أخي محمود هو الداعم لي دائما، كان هو المحفز لي أيضا شجعني على التقديم لإكمال دراستي وقد كان أتممت دراستي الثانوية والتحقت بالجامعة لأحقق حلم حياتي في أن أكون مهندسة ديكور، انهيت دراستي وبالمشاركة مع توأم حياتي احمد ومحمود مهندسا الانشاءات المعمارية اسسنا شركة للمقاولات وتحقق الحلم ولأول مرة أشعر بأني لست نصف امرأة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى