شعر وادب

أجمل ما في الحب الاعتراف به … أما الأجمل ألا تعترف

متابعة-رشا حافظ

حين التقيتك، والحب ثالثنا … تبسمت الدنيا لي كما لم تفعل من قبل.
حين نظرتِ في عينيّ الملتهبتان شوقاً، وقابلتك بنظرة يتيمة، بدا لكِ ما كنت أخفيه. كنت أحاول جاهدا لأبقي مشاعري ساكنة إلى أطول فترة ممكنة. حين يبدأ العد التنازلي للاعتراف، حتى الثواني تصنع فارقا. كنتُ أتلذذ بمذاق الحب، يُقارب الإفلات مني، فأكبحه بكل ما أوتيتُ من هشاشة، وحين يوشك على الاندلاع … أُكمده. كنتُ أؤمن أن كتمان الأشياء الجميلة يمنحها هيبة لا تُضاهى، فتظل حبيسة الوقت المناسب لنطقها. إن حصل وتورطت في الحب، فلا تبادر بالاعتراف؛ قاوم حتى الرمق الأخير، حتى اللحظة قبل الاعتراف … قاوم. لا تخبرها أنك تحبها، اجعلها تلاحظه في عينيك، في تصرفاتك … وإن استطعت ألا تعترف، فخيْراً ما فعلت.
هناك فرق بين أن تعترف بالحب وأن تلمح به، دائما الاقتراب أجمل من الامتلاك، فحين تعترف بالحب فأنت تحاول أن تمتلك. أَحِبَها بكل ما أوتيتَ من مشاعرٍ وأحاسيس، لكن إياك أن تنجر خلف عواطفك وتعترف لها. التلميح بالحب أرقى وأجمل وأرق من الاعتراف به؛ لذا، يجب أن نلمح بمشاعرنا حتى لا تتدفق منا دفعة واحدة، فلا يكمن معنًى للحب.
ما إن ننطق “أحبك” تفقد هذه الكلمة المقدسة، قدسيتها وبريقها، تصبح كسائر الكلمات. مع مرور الأيام تختفي وسط زحام الكلمات، لا يكاد المرء يفرق بينها وبين الكلمات الأخرى، وربما في حين شرود، ستقول لها أحبك، ربما لا ترد … ربما تتجاهلك … ربما تكتفي برفع حاجبها. هكذا نحن البشر، نعشق دائما الأشياء الغامضة التي لا تفصح عن هويتها، ما إن يتجلى الغموض ويُسدل الغطاء، تضمحل رويدا صورتها لتصبح “لا شيء” مع زحمة الحياة.

حين قررت الاعتراف، اقتربتُ منها على حذر، بعينين واسعتين أراقب موضع قدميّ، رمشي يرفرف، دقات قلبي تتسارع، رذاذ العرق في جبيني يبرز بكثرة … حبستُ أنفاسي بقدر ما يستطيع الشخص المرتبط أن يفعل، ثم أغمضت عينيّ:
“أحبك” … أقولها، وبصراحة. كان شعورا جميلا وأنا اسمع تلك الكلمة خفيفة النطق، عميقة المعنى، ثقيلة الحمل، طيبة الأثر. ظل هذا الشعور يلازمني لعدة ثواني، بالكاد تكون خمس ثوان، ثم تبدد هذا الشعور رويدا حتى اضمحل ولم يبق له أثر؛ وكأنه يثبت لي أن التمهيد للاعتراف أصعب من الاعتراف، وأن الاستعداد لسماع ما تحب أجمل من سماعه، وأن محاولة قول “أحبك” أجمل من قولها، وأن طلب التمني أجمل من أن تناله، وأن عدم الاعتراف أجمل من الاعتراف. كم هي لاذعة … كلمات الحب التي نسمعها للمرة الأولى! … لاذعة حد الألم. أحاسيس مرهفة، غامضة وعميقة، تُخيف السامع والقائل في آن واحد. متعة فائقة، وقلق ينزع الروح من الجسد، يسبق تلك الثواني الثلاث قبل سماع الكلمة. كلمة تتمتع بقدسية لا نهائية، وشعور مختلط، يمتزج بسيمفونية فريدة وبهاء. بعد ثوانٍ فقدت الكلمة المقدسة رونقها، بعد أن منحتني لذة الاستمتاع بها. لا تندفع في الحب، لا تعترف بعواطفك كومة واحدة، في كل لحظة مناسبة أبرز منه جزءا؛ الاعتراف المفاجئ يقتل الحب.
“أحِبك” … لا أحتاج قولها … إنها يجب أن تُسْتشعر … تأملي في عينيّ الغارقتان في عينيك سهواً وقَدَراً، وستُدركين مقدارَ ما أُكِنّه لك من حب … ودون أن اعترف.

كتبه: ياسين إزاز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى