المقالات

أعظم من فهم البنية السيكولوجية للإنسان

دعاء موسى
الروائي والأديب الروسي دستوفيسكي حين تبدأ في قراءة رواية له لا تستطيع التوقف حتى تنهيها تشعر بكل كلمة وكل مشهد كانك تراه فمن هو؟
تيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي. هو روائي وكاتب قصص قصيرة وصحفي وفيلسوف روسي. وهو واحدٌ من أشهر الكُتاب والمؤلفين حول العالم. رواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية كما تقدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا في القرن التاسع عشر، وتتعامل مع مجموعة متنوعة من المواضيع الفلسفية والدينية.ولد فيودور دوستويفسكي في 11 نوفمبرعام 1821 بموسكو، وهو الابن الثاني لوالديه. وترعرع في منزل العائلة قرب مستشفى ماريانسكي للفقراء والذي يُعتَبر حيّاً فقيراً من الطبقة الدنيا على طرف موسكو. كان دوستويفسكي خلال لعبه في حديقة المستشفى يشاهد المرضى المُتألّمين، والذين يُعتَبروا أسوأ المرضى حظاً حيث أنهم من الطبقة الدنيا.
اطّلع دوستويفسكي على الأدب منذ صغره. في الثالثة من عمره، كان قد طالَع الملاحم البطولية والحكايات والأساطير الخرافية، كُلّ هذا كان عبرَ مُربيتِه ألينا فرولوفنا التي أثّرت عليه كثيراً في طفولته. وعندما بلغ الرابعة، قامت أمّه بتدريسه الكتاب المقدس ليتعلم من خلاله القراءة والكتابة. وقد عرّفه والداه بمختلف أنواع الأدب، من ضمنهم الأدباء الروس مثل كرامزين وبوشكين وديرزهافين؛ والأدب القوطي مثل آن رادكليف؛ والأدب الرومانسي لأعمال شيلر وغوته؛ والحكايات البطولية لـ ثيربانتس ووالتر سكوت؛ وملاحم هوميروس. وقد ذكَر دوستويفسكي ذلك، بأن والديه كانا السبب الرئيسي لتعلّقه بالأدب وذلك بسبب قصص ما قبل النوم الذين كانا يقرآنها له. بعض تجارِبه في طفولَته أثّرت على كتاباتِه لاحقاً، عندما كان بالتاسعة من عمره، تعرّضت فتاة للاغتصاب من قِبَل رجلٍ مخمور، تلك الحادثة عَلِقت في ذهنه، وظهر موضوع الرجل الذي يعتدي على الفتيات في الإخوة كارامازوف والشياطين وغيرها من المؤلّفات.
وعلى الرغم من كون جسد دوستويفكسي كان نحيفاً وغير قوي، فقد وصفه والداه بكونِه متهوّراً وعنيداً ووقحاً.في عام 1833، والد فيودور الذي كان مُتديّناً بطبعه، أرسَله لمدرسة داخليّة في فرنسا ومن ثم إلى مدرسة تشيرماك الداخلية. ووُصِفَ هناك بأنه ذو وجهٍ شاحب وانطوائي ورومانسي. ولدفع الرسوم المدرسية، اقترض والده المال ووسّع عمله الطبي الخاص. شعر دوستويفسكي بالخروج من مكانه بين زملائه الأرستقراطيين في مدرسة موسكو، وانعكست التجربة لاحقاً في بعض أعماله، ولا سيما رواية المراهق.في 27 سبتمبر من عام 1837، توفّيت والدة فيودور بالسل. وفي مايو من العام نفسه، أرسَله والداه برفقة أخيه ميخائيل للدراسة في معهد نيكولايف للهندسة العسكرية في مدينة سان بطرسبرغ، فاضّطر بسبب ذلك ترك الدراسة الأكاديميّة والتركيز على مستقبله في تقوية حياته المهنية العسكرية. وقُبِل في المعهد وبدأ بالدراسة فيه في يناير 1838، أما أخوه ميخائيل فقد تم رفضه لأسبابٍ صحيّة فانتقل للدراسة في مدينة رفال في إستونيا.
كَرِه فيودور الأكاديمية، وذلك بسبب عدم اهتمامه بالعلوم والرياضيات والهندسة العسكرية وتفضيله للرسم والهندسة المعمارية. كما وصفه صديقه كونستانتين تروتوفسكي مرّة. شخصيّة فيودور واهتماماته جعلت منه شخصاً غريباً بين زملاء دراسته الـ120. وقد أظهر شجاعةً وحسّاً بالعدالة، وحماية للقادمين الجدد، وانحيازاً للمعلّمين منه للطلاب، ونقداً للضُبّاط الفاسدين، ومساعدةً للفلاحين الفقراء. وعلى الرغم من كونِه كان منعزلاً ويعيش في عالمه الأدبي الخاص، إلا أنه كان يلقى احتراماً من زملاءه الطُلّاب، وقد لقّبه الطلاب بأنه الكاهن فوتيوس.
ظهرت علامات الصرع على فيودور لأول مرة عندما عَلِم بوفاة والده في 16 يونيو 1839. على الرغم من كونِ مصدر هذه المعلومة ابنته لوبوف التي يعتَبِرها الكثير من المؤرّخين غير موثوقة، وقد عَمِل عليها فرويد فيما بعد. توفّي والده بشكل أساسيّ من سكتةٍ أصابته، بيدَ أن جاره بافل كلوشانتسيف ادّعى أنه مات مقتولاً من قِبَل أقارِبه، وفي حال تم إثبات التهمة بأنّه قُتِل، كاد كلوشانتسيف ليستطيع شراء الأراضي التي تم إخلاؤها، وقد انتهت القضية بتكذيب الادّعاء في محاكمة في تولا، ولكن شقيقه أندريه دافع عن القصة. على العموم، بعد وفاة والده أكمَل فيودور دراسته وتخرّج من الأكاديمية وأعطيَ لقب مهندس عسكري، مما خوّله الذهاب والعيش بعيداً عن الأكاديمية. فذهب وزار أخوه ميخائيل في رافل، وحضر المسرحيات وعروض الأوركسترا والباليه. وخلال تلك الفترة، اثنين من أصدقاءه عرّفوه على المقامرة.
في 12 أغسطس 1843، عَمِل فيودور باعتباره مُهندس ملازم وعاش مع أدولف توتليبن في شقة يملكها الدكتور ريسنكامف، وهو صديق ميخائيل. وصفه ريسنكامف بقوله: “ليس أقل لطفاً أو أقل تهذيباً من أخوه، ولكن عندما لا يكون في مزاج جيّد كثيراً ما يُحدّق في الفراغ، وينسى الأخلاق الفاضلة، بل وأحياناً يصل لدرجة الوقاحة وفقدان وعيه بذاته”. في ذلك العام أنهى فيودور أولى أعماله الأدبية، وقد كانت ترجمة لرواية أوجيني غراندي من تأليف أونوريه دي بلزاك، وقد نُشِرت في عدد شهر يونيو ويوليو في مجلة Repertoire and pantheon تَبِعها عددٌ من الترجمات غير الناجحة، وصعوباته الماليّة قادته في البدء لامتهان كتابة الروايات.تتضمّن أعمال فيودور دوستويفسكي روايات، وروايات قصيرة، وقصص قصيرة، ومناشير، وإبيجراما، ولمريكة، وشعر. وقد كَتَب أكثر من 700 رسالة، ضاع العشرات منها.
عبّر دوستويفسكي عن أفكاره الفلسفية والدينية والنفسية من خلال كتاباتِه، تحكي قصصه مواضيع عن الانتحار والفقر والخداع والأخلاق. مواضيعه النفسيّة حكى فيها عن الأحلام حيث ظهرت في قصّة الليالي البيضاء، وعلاقة الأب وابنه كما ظهر في المراهق. وتظهر في كثير أعماله نواحي تكوين المجتمع الروسي الفوضوي في ذلك الوقت. أعماله المبكرة تُظهِر المجتمع من خلال الطبعانية والواقعية الأدبية. وبسبب تأثّره الكبير بالكُتّاب الذين قرأ لهم، كان كثيراً ما يقتبس منهم وأسلوبه مشابه لهم لحدّ كبير، أدّى ذلك لاتهامه بالسرقة الأدبية في أعماله المُبكّرة، ولكن مع مرور الوقت أصبح لديه أسلوب خاصّ به. الأعمال التي كتبها بعد إطلاق سراحه لوحِظَ أنها تتناول مواضيع دينية، وخاصة تلك المواضيع الخاصة بالأرثوذكسية الروسية. وعناصر من القصص القوطية، والرومانسية، والمواضيع الساخرة الهجائية يمكن ملاحظتها في بعض كتبه.
دائماً ما توصَف أعمال دوستويفسكي بكونِها فلسفية، على الرغم من قول دوستويفيسكي بنفسه أنه ضعيف في الفلسفة. كتب صديقه نيكولاي ستراخوف يصفه: “أحب فيودور تلك الأسئلة حول ماهيّة الأشياء وما وراء حدود المعرفة” العديد من الأفكار الفلسفية المطروحة في مذكراته والإخوة كارامازوف، وقد وصفه المفكر جورج فلورفسكي بأنه “مشكلة فلسفية”، فمن غير المعروف ما إذا كان دوستويفسكي يؤمن بالأفكار التي طرحها أو لا.وربما كان دوستويفسكي ما أورد هذه الأفكار إلا لانتقاده لها فقد كان عقله فنّاناً أكثر من كونه عقلاني ومنطقي. وقد ذُكِرت عدم عقلانيّته في كتاب الفيلسوف ويليام باريت رجل غير عقلاني: دراسة في الفلسفة الوجودية، وكتاب والتر كوفمان الوجودية من دوستويفسكي إلى سارتر.
أحد أساليب فيودور الكتابية هي البولفونية، وهي تعني تعدد الرواة والأصوات في الرواية الواحدة، كُلّ منهم بوجهة نظرة الخاصة. البولفونية الأدبية مشابهة للبولفونية الموسيقية المصطلح الذي وضعه ميخائيل باختين على أساس تحليلاته لأعمال دوستويفسكي.وقال اللغوي الروسي ميخائيل باختين أن استخدام دوستويفسكي لهذا الأسلوب يُعدّ تقدماً كبيراً في تطوير الرواية.
اقتباسات من روايات دوستويفسكي:
هكذا وصف دوستويفسكي النوم :
طفولتك تنتهي عندما تدرك أن النوم مكافأة وليس عقاب
“وبعد ذلك تسأل نفسك، أين ضاعت أحلامك؟
وستقوم بهز رأسك وانت تهمهم: ما أسرع مرور الوقت..! وتعيد سؤال نفسك مرة أُخرى، مالذى قُمت بفعله فى فترة حياتك؟
وأين دفنت أفضل سنوات عُمرك؟
وهل كُنت على قيد الحياة أم لا؟
وسوف تقول لنفسك أُنظر كيف أن الحياة أصبحت باردة وكئيبة، وستَمُر سنوات أخرى من عُمرك ، وبعد ذلك تعقُبها سنوات العُزلة الكئيبة، وبعد ذلِك ستأتى فترة الشيخوخة غير المُستقرة، وتليها فترة اليأس والكأبة التامة، وسينهار عالمك الرائع ، وأحلامك سوف تذبل وتموت ، وسوف تُنثر مثل فتات أوراق الشجر الأصفر فى فصل الخريف( من كتاب الليالي_البيضاء)
قال دوستويفسكي في روايته ” المقامر”
إعلمي عزيزتي أن الرجل سيظل يتودد لك بكل الطرق وبأغرب الأساليب وبكافة الوسائل المتاحة حتى يضمن قلبك بعدها تبدأ مرحلة أخرى هي مرحلة الإهمال والإنشغال بأمور أخرى المال مثلآ :
لا تستغربي من رجل كان يتذلل لينال رضاك اليوم
أن يهملك غداً بعد أن سلمت له قلبك
يقال أن الرجل يحب المتكبرة المتغطرسة ولا يسيء إلا لمن يضمن بقاؤها ..
سؤالي: هل تتفقون مع ماقاله الكاتب ام لا؟…
من أجمل المعادلات التي وضحها دوستويفسكي في روايته “الشياطين” هي المعادلة التالية:
يعتمد تقبل الناس لرأيك على مقدار ما تملك من مال ويتناسب طرديا معه ،لذلك إن كنت فقيرا فالصمت أفضل لك أفضل بكثير.
أما إن كنت تملك المال ،والكثير منه وتعمل لاكتساب المزيد فتكلم والكل يسمعك .
لا تستغرب أرجوك، ألا ترى أنه حتى الأحمق يصبح بالمال “عملاقا”؟
‏” أنت إنسان طيب القلب ، عاطفي تلقائي لا تتقن النفاق ولا تحب المظاهر ، وهذا مالا يحبه الناس والمجتمع ..!
فالناس هنا يا صديقي مفتونة بالمظهر .. ولا تنسى أنك فوق كل ذلك إنسان حالم وليس في ذلك خير أيضاً.
أتدرى ماهو الحنين ؟
الحنين هو حين لا يستطيع الجسد أن يذهب حيث تذهب الروح
دوستويفسكي
الجريمة والعقاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى