مستشارك القانونى

براءة الاختراع

بقلم الاستاذ محمد ورد المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
كثيراً ما نسمع مصطلح براءة الاختراع في كثير من الأحيان عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي،وغيرها، ولكن ماهى براءة الاختراع، وما هي الحماية التى توفرها البراءة وما هى حقوق مالكها ولماذا هى ضرورية وما دورها في حياتنا اليومية ومن يمنح هذه البراءة وما هى أهميتها للمشروعات التجارية وما هى تكلفتها، وهل يلزم وكيل لتحرير طلب البراءة أو إيداعه، وكم يستغرق طلب البراءة وهل يجوز الكشف عن الطلبات للجمهور، وماذا يحدث لو استحدث موظف عام منتجا جديداً أو طريقة تصنيع هل ستئول حق البراءة له ام لجهة العمل،وهل يجوز تمديد أو فترة الحماية وما هى الحماية المتوفرة في حالة نشر طلب الحماية وقبل البت فيه وما هو تاريخ الأولوية؟
في هذا المقال سنتاول الإجابة عن هذه التساؤلات.
فالبراءة هي حق استئثاري يمنح نظير اختراع يكون منتجاً أو عملية تتيح طريقة جديدة لإنجاز عمل ما أو تقدم حلا تقنيا جديدا لمشكلة ما. وتكفل البراءة لمالكها حماية اختراعه. وتمنح لفترة محدودة تدوم 20 سنة على وجه العموم.
المراد بالحماية بموجب البراءة أن الاختراع لا يمكن صنعه أو الانتفاع به أو توزيعه أو بيعه لأغراض تجارية دون موافقة مالك البراءة. ويجري إنفاذ الحقوق في البراءة عادة أمام المحاكم التي لها صلاحية وقف التعدي على البراءات في معظم الأنظمة. ويمكن للمحاكم أن تعلن بطلان البراءة أيضا بناء على طعن كسبه الغير.
لمالك البراءة الحق في تقرير من الذي يجوز له أو لا يجوز له الانتفاع بالاختراع المشمول بالبراءة خلال مدة حماية الاختراع. ويجوز لمالك البراءة التصريح للغير أو الترخيص له بالانتفاع بالاختراع وفقا لشروط متفق عليها. ويجوز لمالك البراءة أيضا بيع حقه في الاختراع لشخص آخر يصبح بذلك مالك البراءة الجديد. وعند انقضاء مدة البراءة، تنتهي الحماية ويؤول الاختراع إلى الملك العام. وهذا يعني أن مالك البراءة لم يعد يتمتع بالحقوق الاستئثارية في الاختراع الذي يصبح في متناول الغير لاستغلاله في التجارة
للبراءات دور حافز للأفراد بالاعتراف بإبداعهم ومكافأتهم ماليا لاختراعاتهم التي يمكن تسويقها. وتشجع تلك الحوافز على الابتكار الذي يضمن تحسن نوعية الحياة البشرية باستمرار.
في الواقع، تسربت الاختراعات المشمولة بالبراءات إلى كل نواحي الحياة البشرية وامتدت من الإضاءة الكهربائية (مالك البراءات شركة إيديسون وسوان) والبلاستيك (مالك البراءات بيكلاند) إلى أقلام الحبر الجاف (مالك البراءات بيرو) وأجهزة الحاسوب (مالك البراءات شركة إنتال مثلا).
ويلتزم جميع مالكي البراءات بالكشف عن المعلومات المتعلقة باختراعاتهم للجمهور من أجل إثراء مجموعة المعارف التقنية في العالم مقابل الحماية الممنوحة بموجب البراءة. وتؤدي تلك المجموعة من المعارف العامة المتزايدة بدون انقطاع إلى تشجيع مزيد من الإبداع والابتكار في مجالات أخرى. وهكذا، لا تكتفي البراءات بتوفير الحماية لمالك البراءة فحسب بل تتيح معلومات قيّمة وتلهم الأجيال القادمة من الباحثين والمخترعين. كيف تمنح البراءة؟
تشمل المرحلة الأولى من إجراءات الحصول على براءة إيداع طلب براءة. ويتضمن الطلب اسم الاختراع وبيانا بمجاله التقني عامة. ومن الضروري أن يشمل الطلب خلفية الاختراع ووصفا له بلغة واضحة وتفاصيل كافية لأي شخص له معرفة متوسطة في المجال كي يستعمل الاختراع أو ينفذه. وتكون تلك الأوصاف عادة مرفقة بمواد مرئية مثل الرسوم أو التصاميم أو الرسوم البيانية لوصف الاختراع بشكل أفضل. ويشمل الطلب عدة “مطالب” أيضا، أي المعلومات التي تحدد نطاق الحماية الممنوحة بموجب البراءة. ما هي أنواع الاختراعات التي يمكن حمايتها؟
من الضروري أن يفي الاختراع عامة بالشروط التالية حتى يستفيد من الحماية بالبراءة. فلا بد أن تكون له فائدة عملية وأن يبين عنصر الجدة فيه أي بعض الخصائص الجديدة غير المعروفة في مجموعة المعارف المتوافرة في مجاله التقني. ويطلق على مجموعة المعارف تلك اسم “حالة التقنية الصناعية السابقة”. ويجب أن يبين الاختراع نشاطا ابتكاريا لا يمكن لأي شخص له معرفة متوسطة في المجال التقني استنتاجه. وفي الأخير، يجب أن يكون الموضوع “أهلا للبراءة” بموجب القانون. وفي العديد من البلدان، تدخل النظريات العلمية أو مناهج العلوم الرياضية أو الأصناف النباتية أو الحيوانية أو الاكتشافات المتعلقة بالمواد الطبيعية أو المناهج التجارية أو أساليب العلاج الطبي (على عكس المستلزمات الطبية) في عداد الموضوعات غير الأهل للبراءة عامة.
يمنح البراءة المكتب الوطني للبراءات أو المكتب الإقليمي الذي يعمل لصالح عدة بلدان مثل المكتب الأوروبي للبراءات والمنظمة الإقليمية الأفريقية للملكية الفكرية. وبناء على تلك الأنظمة الإقليمية، يلتمس مودع الطلب حماية الاختراع في بلد واحد أو أكثر ويبتّ كل بلد في منح الحماية بالبراءة في أراضيه من عدم منحها. وتنص معاهدة التعاون بشأن البراءات التي تديرها الويبو على إيداع طلب دولي واحد للبراءة تكون له الآثار ذاتها المترتبة على الطلبات الوطنية المودعة في البلدان المعينة. ويجوز لمودع الطلب الذي يلتمس الحماية أن يودع طلبا واحدا ويلتمس الحماية في العدد الذي يراه مناسبا من البلدان الموقعة.
يعتقد معظم الناس أن البراءات تقترن باختراعات علمية كبيرة مثل أول مصباح كهربائي اخترعه إدسن أو تخص شركات كبيرة تستثمر كميّات هائلة من الأموال في مجال البحث والتطوير. والواقع أن قرابة 000 750 براءة تُمنح في مختلف أرجاء العالم كل سنة. ومع أن العديد منها براءات ممنوحة للاختراع ذاته في عدة بلدان، فمن الصعب تصوّر أن هذا العدد الهائل من الاختراعات العلمية يخرج إلى النور كل سنة. وتُمنح معظم البراءات لاختراعات ليست بذلك القدر من الأهمية، ومنها ما يكون مجرد تحسين يزيد من فعالية المنتَج أو طريقة الصنع أو يسهِّل تسويقه. وعلاوة على ذلك، فإن قوانين بعض البلدان تنص على حماية ابتكارات هي في الواقع عناصر تضاف إلى اختراعات رئيسية، تتخذ شكل نماذج منفعة ولها مدة أقصر من مدة سريان البراءات ويمكن الحصول عليها عامة بسهولة أكبر.
ومع أن الشركات لا تستحدث كلها اختراعات هي أهل للحماية بالبراءات، فمن الخطأ الاعتقاد بأن البراءات تقترن فقط بالعمليات والمنتجات الفيزيائية أو الكيميائية ولا يستفيد منها إلا الشركات الكبيرة. إذ من الممكن الحصول على براءات في أي مجال تكنولوجي من الدبابيس إلى الحواسيب. وهناك اليوم آلاف البراءات الممنوحة لمنتجات عادية جدا مثل الأقلام والزجاجات والنسيج والدرّاجات.
بإمكان مودعي الطلبات إعداد طلبات براءاتهم وإيداعها من غير مساعدة من وكيل البراءات. على أن من المحبّذ جدا الاستعانة بخدمات وكيل البراءات عند صياغة طلب البراءة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قانون البلد قد يقتضي من المودع الذي يكون محلّ إقامته العادي أو مقرّ عمله الرئيسي خارج البلد تعيين وكيل معتمد (أي أنه يقيم أو يزاول نشاطه) في البلد. ومن الممكن الحصول على معلومات عن الوكلاء المعتمدين مباشرة من مكاتب الملكية الفكرية الوطنية
عتمد الوقت المستغرق للحصول على براءة على إجراءات التسجيل وعدد من العوامل الأخرى التي تختلف من بلد إلى آخر. ففي البلدان التي لا يخضع فيها طلب البراءة لفحص موضوعي، تنتهي الإجراءات فيها بسرعة (وتستغرق عادة بضعة أشهر). وفي البلدان التي يباشر فيها مكتب البراءات فحصاً موضوعياً دقيقاً للتأكد من أن الاختراع يستوفي شروط الجدّة والنشاط الابتكاري وإمكانية التطبيق الصناعي لاعتباره أهلاً للحماية بموجب البراءة، فلا بدّ أن يستغرق الإجراء منذ الإيداع حتى المنح 12 شهراً على الأقل وقد يزيد على 18 شهراً في حالات عديدة. وقد يستغرق أكثر من ذلك لا سيّما إذا كان قانون البلد ينص على إمكانية الاعتراض قبل منح البراءة أو إذا كان القانون يسمح بما يسمى بالفحص المؤجل (أي ألاّ تخضع البراءة للفحص إلا بناء على طلب بذلك يودع في غضون مهلة معينة من الزمن قد تطول عدة سنوات). وعلاوة على ذلك، فإن نظام الفحص المؤجل يتيح للمودع مهلة أطول ليبت في جدوى طلب براءة لاختراعه في ضوء فرص التسويق وتكاليف الحصول على براءة.
تمنح مكاتب البراءات سندات البراءات مقابل كشف كامل عن الاختراع الذي يتم نشره فيصبح بالتالي متاحاً لعامة الجمهور. على أن النشر قد يباشر في مراحل مختلفة من الإجراءات. ولا ينشر بعض البلدان وثائق البراءات مع المطالب ووصف الاختراع إلا عند منح البراءة. وينشر البعض الآخر طلبات البراءات عامة بعد 18 شهراً من تاريخ الإيداع أو تاريخ الأولوية في حال المطالبة به
اذا استحدث موظف اختراعاً أثناء تنفيذ عقد عمل، أي أثناء أوقات عمله في المؤسسة، فإن قوانين معظم البلدان تنص على أن الاختراع (وما يتصل به من حقوق في البراءة) يؤول إلى المؤسسة. وتفادياً لأي لبس أو نزاع محتمل، درج أرباب العمل على تضمين عقود التوظيف بنوداً خاصة بالملكية الفكرية. على أن من الجائز أن يكون للموظف حق في الحصول على مكافأة عادلة، حسب الحال، وفقاً للقانون أو عقد عمله.
نص معظم قوانين البراءات الحديثة على أن تسري الحماية مدة عشرين سنة اعتبارا من تاريخ إيداع الطلب. على أن قوانين بعض البلدان تنص على إمكانية تجديد مدة الحماية أو تمديدها في بعض المجالات، مثل المستحضرات الصيدلية أو الأغذية، نظرا إلى ضرورة استكمال إجراءات الموافقة الإدارية قبل إنزالها الأسواق، ممّا يحرم مالك البراءة من إمكانية التمتع بحقه في بعض الحالات لفترة طويلة بعد منح البراءة.
نص معظم قوانين البراءات على أن لمودع الطلب الحق في اتخاذ تدابير قانونية ضد أفعال التعدّي فور نشر طلب البراءة وقبل منح سند البراءة، على أنه لا يمكنه رفع دعوى إلا بعد منح البراءة وإذا كان قادراً على إثبات أن الفعل المعني فيه تعدّ على البراءة
كثيراً ما يصادف أن يعمل عدة أشخاص في الوقت ذاته على إيجاد حلّ أو أكثر لمشكلة تقنية بعينها. على أن واحداً منهم فقط يمكنه الحصول على براءة للاختراع ذاته، وتطبق معظم البلدان نظام ما يسمى بالمودع الأول فتمنح البراءة لأول شخص يودع طلباً. ولمبدأ الأولوية فائدة كبيرة عندما يكون الهدف هو الحصول على حماية البراءة للاختراع ذاته في عدة بلدان، لأن المودع لا يضطر إلى إيداع طلبه في كل البلدان المستهدفة في الوقت ذاته. وتنص اتفاقية باريس بشأن حماية الملكية الصناعية على أن بإمكان مودع الطلب الذي أودع طلبه في أحد البلدان الأطراف في الاتفاقية أن يطالب بأولوية ذلك الطلب خلال فترة اثني عشر شهراً ويعتبر تاريخ إيداع ذلك الطلب الأول بمثابة “تاريخ الأولوية”. وإذا طلب المودع الحماية في بلدان أعضاء أخرى (في اتفاقية باريس) خلال الأشهر الاثني عشر المذكورة، تكون لتاريخ إيداع ذلك الطلب الأول “الأولوية” على سائر الطلبات المودعة بعد ذلك التاريخ. وفي تلك الحالة، يظل المودع هو المودع الأول في البلدان الأعضاء الأخرى حتى إذا أودعت طلبات أخرى قبل تاريخ إيداع طلبه في تلك البلدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى