المقالات

ما المقصود بالكهرو نصية في النص المسرحي ؟

 

 

ما المقصود بالكهرو نصية في النص المسرحي ؟

د/شيرين الجلاب

Momentum هي الكلمة التي تعني قوة الدفع أو قلب المحرك , وإذا ما وجهنا تلك الكلمة للنص المسرحي بحثا عنها , خلال صياغة الجمل الحوارية , والتراكيب اللفظية , التي بات المؤلف على صياغتها , خالقا بها جسدا وكيانا قائما بذاته يطلق عليه النص المسرحي , فإذا ما تصورنا أن هذا النص هو جسد , له أعضائه ومكوناته أيا كان شكل هذا التكوين , وفق اليقين الذي يدين به كاتبه , وحسب الاتجاه الفني الذي ينتمي إليه , دون إغفال كافة المؤثرات التي تتدخل دون شك في عملية التخليق , من الخلفية التاريخية والاجتماعية للكاتب , والمكونات لشخصيته وثقافته , وانتمائاته الفكرية والفنية , كل تلك الروافد هي المكونات الأساسية للخلطة الإبداعية , التي يفرز عنها النص المسرحي .
إلا ان لكل كائن قلب ينبض يمنحه القوة والاستمرار , هذا القلب يخرج منه دقات تلك الدقات ترتفع تارة وتنخفض تارة , وتارة تستقيم فتشعرك بنهاية الحياة , وإذا بها خلال الإزاحات الدلالية وبأمور قد تكون غير متوقعة تتزايد الدقات فترتفع حدتها وتعود من جديد لترسم خطا من الذبذبات المتنوعة بين الارتفاع والانخفاض , صانعة بذلك إيقاع النص المسرحي , ذلك الإيقاع الذي يحمل في داخله الصراع , الذي يعمل على تطوير الحدث الدرامي , خالقا أفعالا تتطلب بالتالي ردود أفعال , صانعة ما يطلق علية حياة النص , التي تخرج من قلبه أو من مصدر بعث الطاقة فيه .
ففي مسرحية أنتيجوني لسفوكليس , تلك المسرحية الكلاسيكية , التي تناولت فكرة الصراع بين القانون الإلاهي والقانون الوضعي , في احقية دفن الموتى أيا كانت أعمالهم وفق قانون الآلهة , ورفض دفن الخائن وفق قانون كريون البشري , ونجد أنتيجوني البطلة التراجيدية , التي تسعى جاهدة لتطبيق قانون الآلهة , تستمر الأحداث ما بين الشد والجذب , في حالة من الارتفاع والانخفاض بين أنتيجوني وكريون كل منهما يظهر أنه المنتصر لا محالة , إلى أن ترتفع سرعة جريان الدماء في قلب النص , عندما يعلم كريون بدفن الأخ الخائن فعلا , وهنا يبدأ النبض يتصاعد وينكشف الوجه الحقيقي لكل من شخوص النص , وصولا إلى النهايات المأساوية , التي انتهت بها المأساة , فلحظة اكتشاف كريون تعد هي ال Momentumفي هذا النص , فبعدها بدات حدة التصاعد تتفاقم , وصولا إلى النهاية المحتومة لكل الشخصيات .
وفي مسرحية هاملت لويليم شيكسبير , يعد مشهد الجونزاجو أو المسرحية , التي قدمتها فرقة الممثلين تشخيصا لحادث مقتل الملك والد هاملت , هي التي رفعت نبضات الشخصيات , إعلانا بأن الأمر لن يمر بخير , فقد انكشف المستور , وحان وقت تصفية الحسابات , ومن لحظتها ونبضات النص ارتفعت حدتها , وصولا إلى نهاية النص بكل التفاصيل المأساوية , التي حدثت , فتلك اللعبة المسرحية الصامتة , التي شخصتها تلك الفرقة بمثابة قلب المحرك , الذي زاد من حدة نبضات النص وصولا للنهاية .
وفي مسرحية القرد كثيف الشعر ليوجين أونيل , كلمة ميلدر إبنة مالك السفينة , ليانك أحد الوقادين في أسفل السفينة , تعبيرا منها على عنفه وحيوانيته من وجهة نظرها قائلة ( أبعدوا عني هذا الحيوان القذر) تلك العبارة هي التي حولت نبضات النص من اتجاه إلى إتجاه آخر تماما , بل هي التي خلقت نصا بالفعل , فلم تعد الحالة فكرة الطبقية وإستقرار الحال بالنسبة للطبقتين , وإنما بدأ النص بأحداثه وتفاصيله وشخوصه ينتفض إيذانا بصراع حقيقي , مبني على صحة أو بطلان مقولة يانك (أنا مقدر فأنا أصيل فأنا منتمي) , فتلك العبارة هي قلب المحرك الذي حرك الأحداث حتى النهاية .
وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال , هل هناك قلب نابض في كل النصوص المسرحية , على اختلاف اتجاهاتها كالعبث على سبيل المثال ؟
ففي مسرحية الأيام السعيدة لصامويل بيكيت تظل حالة الثبات واللاجدوى والبوح الذاتي او النواح على المصير المتردي مستمرة طوال النص حتى تأتي لحظة النهاية فتنهض الشخصية معلنة بداية جديدة لنفس الحالة التي قدمتها طيلة الفصلين , وهنا أعتقد أن النص العبثي لا يحتوي قلبا نابضا لأنه يبحث عن العدم , ومسيرته مبنية على الفناء واللاوجود , الأمر الذي لايستقيم مع فكرة النبض وطاقة الحياة , التي نجدها في النصوص , التي تتبنى موضوعا له تطوراته , سواء إلتزم الكاتب باليقين الأرسطي في كتابته لنصه , أو خرج عليه لكن خروجا على مستوى صناعة النص وليس روح النص , مثلما حدث لدى كتاب العبث , والكثير من الاتجاهات الحداثية وما بعد الحداثية , التي تسعى لترسيخ فكرة التشظي والتناقض والتنافر بين أجزاء العمل , وهنا يكون قلب المحرك فيها ليس في النص , وإنما في المعاني , التي تتولد عن النص لدى المتلقي ذاته, وتختلف لحظتها بإختلاف أفق التوقعات , لدى كل متلقي عن غيره .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى